إفطار صائم
التبرع لمرة واحدة
أو
تبرع بشكل متكرر
Campaign deleted by admin
زينة الشهر الكريم
“أُحِبُّ للرجل الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً بالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ولحاجة النَّاس فيه إلى مصالِحهم، ولتشاغُل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصَّلاة عن مكاسبهم” قول للشافعي ورد في كتاب “معرفة السنن والآثار للبيهقي” (6/ 382).
نموذج آثرنا الاستهلال به للحديث عن باب من أبواب الجود في شهر رمضان المبارك وهو تفطير الصائمين. فهو عبادة تعبر عن كرم المسلم وسماحة نفسه، يجمع المفطِّر فيه بين نية الاقتداء برسولنا الكريم وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من جود وخاصة في رمضان، وبين إدخال السرور إلى قلوب المسلمين.. ويكفيه فخراً أن يكون قدوة في الكرم، وأن يكون سبباً في إشاعة هذه السُّنة في المجتمع، بما يترتب عليها من جبر لقلوب الفقراء وإعانتهم على ما يفطرون عليه، وتوفير ما يشتهون لهم.
ولقد قدم السلف الصالح رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في إطعام الطعام، فهذا الإمام عليّ رضي الله عنه يقول: «لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا أَحَب إليّ أن أخرج إلى سوقكم هذا فأشتري رقبة فأُعتقها». أما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فما كان يفطر إلا مع اليتامى والمساكين. وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم: جاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يُعدّهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً.
ومن جميل ما يروى من الموروث الشعبيّ، أن امرأةً رأت في الرؤيا أثناء نومها أنَّ رجلاً من أقاربها قد لدغته أفعى سامة فقتلته ومات على الفور، وقد أفزعتها هذه الرؤيا وأخافتها جداً، وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت ذلك الرجل وقصّت عليه رؤياها وعَبَّرَت له عن مخاوفها، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله، ويأخذ لنفسه الحيطة والحذر. فنذر الرجلُ على نفسه أن يذبح كبشين كبيرين من الضأن نذراً لوجه الله تعالى عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة. وهكذا فعل، ففي مساء ذلك اليوم ذبح رأسين كبيرين من الضأن، ودعا أقاربه والناس المجاورين له، وقدم لهم عشاءً دسماً، ووزَّعَ باقي اللحم حتى لم يبقَ منه إلا ساقاً واحدة. وكان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم.. لَفَّ الرجلُ الساقَ في رغيفٍ من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها، ولكنه تذكّر عجوزاً من جيرانه لا تستطيع القدوم بسبب ضعفها وهرمها، فلام نفسه قائلاً: لقد نسيت تلك العجوز وستكون الساق من نصيبها. فذهب إليها بنفسه وقدّم لها تلك الساق واعتذر لها لأنه لم يبقَ عنده شيء من اللحم غير هذه القطعة. سُرَّت المرأةُ العجوز بذلك وأكلت اللحم ورمت عظمة الساق. وفي ساعات الليل جاءت حيّة تدبّ على رائحة اللحم والزَّفَر، وأخذت تُقَضْقِضُ ما تبقى من الدهنيات وبقايا اللحم عن تلك العظمة، فدخل شَنْكَل عظم الساق في حلقها ولم تستطع الحيّة التخلّص منه، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجرّ نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها، ولكنها عبثاً حاولت، فلم تُجْدِ محاولاتها شيئاً ولم تستطع تخليص نفسها. وفي ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل المذكور حركة وخَبْطاً وراء بيتهم فأخبروا أباهم بذلك، وعندما خرج ليستجلي حقيقة الأمر وجد الحيّة على تلك الحال وقد التصقت عظمة الساق في فكِّها وأوصلها زحفها إلى بيته، فقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها، وأخبر أهله بالحادثة فتحدث الناس بالقصة زمناً، وانتشر خبرها في كلّ مكان، وهم يرددون المثل القائل : كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم (من كتاب: الحكاية الشعبية في الأردن – الزرقاء).
وما فتئ أهل الخير من المسلمين في كل زمان يحرصون على إطعام الطعام وبالأخص تفطير الصائمين في كسباً للأجر وإشاعة للود والتراحم فيما بينهم، وهو ميدان تسابق بين الذين يتطلعون إلى كسب أجر الصيام مرتين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ، غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ من أجرِ الصَّائمِ شيئًا” رواه الترمذي.. وفي هذا تحفيز لمن يملك الاستطاعة أن يبادر للإطعام في رمضان، ضمانة لئلا يبيت صائم على جوع.. ولقد أثنى الله على هذه الفئة من الناس التي تسارع في بذل الخير والمعروف، وتحرص على إطعام الفقراء وأهل الحاجة عموماً مما يحبون لوجه الله واتقاء عذاب الآخرة، وجزاهم النضرة والسرور والجنة والحرير، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:8-12].. وقال عليه الصلاة والسلام: “إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها مِن بُطونها، وبُطونها مِن ظُهورها. فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لِمَن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام” رواه الإمام الترمذي وأحمد. وسُئلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: “تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ” متفق عليه.
وتتخذ عبادة تفطير الصائمين في عصرنا أشكالاً متعددة، فمن أهل الجواد مَن يدعو أهله وأقرباءه وأصدقاءه إلى بيته فيطعمهم ويكرمهم، ومنهم من يرسل من طعامه إلى جيرانه، ومن الناس من يخصصون الأيتام بدعوة إلى موائد الإفطار، ومنهم من يحرص على دعم مشاريع تفطير الصائمين التي تنظمها الجمعيات الخيرية، ففيها ضمانة لتفطير أعداد كبيرة، والتخفف من مؤنة التحضير للإفطارات للاستفادة من هذه الأوقات في أعمال رمضان.
وهنا نقف عند أهمية دعم مثل هذه المشاريع لقدرتها للوصول إلى أكبر عدد من المحتاجين.. وخبرتها في إدارة مثل هذه الأعمال الضخمة التي تحتاج إلى الكثير من الجهود والأموال.
وجمعية وجدان الخيرية من الجمعيات التي تنشط في رمضان كما في غيره، حرصاً منها على كفاية الفقراء مؤنة تكاليف رمضان، من خلال المشاريع التي تطلقها فتفتح أبواب الخير لمن يريد أن ينال الأجور العظيمة في رمضان، وبالتالي تُسهم في التخفيف عن كاهل المحرومين؛ خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار.. كل هذا يحتّم على مؤسسات المجتمع السعي الحثيث لتأمين أدنى متطلبات العيش الكريم للأسر المحتاجة.
فالمسارعة المسارعة، والبدار البدار، والعجلة في الخير من الأمور المحمودة، وليكن شعارنا في هذه الأيام المباركة: (وعَجِلتُ إليك ربِّ لترضى) ] طه: 84[.